قد يكون المرض من نعم الله علي العبد المؤمن إذا صبر العبد واحتسب فإنه يكفر السيئات ويرفع الدرجات ويغفر الذنوب،
كما قال رسول الله -صلي الله عليه وسلم- :
'من يرد الله به خيراً يُصب منه' ،
فعلي المريض وقد عرف فضل المرض أن يصبر علي ما أصابه ويحتسب أجره عند ربه .
قال -صلي الله عليه وسلم- :
'إن الله تعالي قال:
إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته منهما الجنة يريد عينيه' رواه البخاري،
وقد بين لنا النبى صلوات الله عليه حق المسلم على المسلم فقال:
((حق المسلم على المسلم رد السلام وعيادة المريض واتباع الجنائز وإجابة الدعوة وتشميت العاطس)).
ولا يلزم كما نفهم من الحديث أن يكون المسلم من معارفه وإنما يكفى ان يكون مسلماً لقيام هذه الحقوق لإخواننا المسلمين علينا،
فإذا كانت صلة قرابة أو صلة جوار أو أخوة أو معرفة فإن ذلك الحق يعظم بمقدار عظم تلك الصلة.
وتطلعنا السيرة النبوية العطرة على هديه -صلى الله عليه وسلم - في زيارة المرضى ،
فكان إذا سمع بمرض أحد بادر إلى زيارته والوقوف بجانبه ،
وتلبية رغباته واحتياجاته ،
ثم الدعاء له بالشفاء وتكفير الذنوب إن كان مسلما ،
ودعوته للإسلام إن كان غير ذلك ،
ومن دعائه ما ذكرته عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول إذا أتى مريضا :
( أذهبِ البأس ،
رب الناس ،
اشفِ وأنت الشافي ،
لا شفاء الا شفاؤك ،
شفاء لا يغادر سقما ) متفق عليه .
وعن فضل عيادة المريض يحدثنا فضيلة الدكتور محمود عاشور -وكيل الأزهر الأسبق- قائلاًًًً :
إن الإسلام دين الرحمة،
وهذه الرحمة تشمل كل نواحي الحياة،
ومن أعظم جوانب الرحمة رحمة الإسلام بالضعفاء والمرضى،
فالمريض الذي يصارع المرض ويصارعه،
لهو من أكثر الناس حاجة إلى كل ما تستطيعه العلاقات الإنسانية من عون وبث للعزيمة والأمل والطمأنينة والسرور.
يقول رسول الله 'من عاد مريضًا لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع...' ،
وعندما يخبرنا صلوات الله عليه (إن الله عز وجل يقول يوم القيامة :
يا ابن آدم مرضت فلم تعدني قال :
يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين ؟
قال :
أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده ؟
أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده ؟
يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني قال :
يا رب كيف أطعمك وأنت رب العالمين ؟
قال :
أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه ؟
أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي ؟
يا ابن آدم استسقيتك فلم تسقني قال :
يا رب كيف أسقيك وأنت رب العالمين ؟
قال :
استسقاك عبدي فلان فلم تسقه أما إنك لو سقيته لوجدت ذلك عندي ' . رواه مسلم.....
فما ابلغ من هذه الصورة من صور الحث والتكريم ،
والحفاظ على العلاقات الإنسانية التى نجدها فى كلمات رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويضيف دكتور عاشور:
لقد بلغ من عناية الإسلام بالمريض أن جعل عيادته حقا من حقوقه على إخوانه المسلمين،
ففي الحديث:
'خمس تجب للمسلم على أخيه:
رد السلام،
وتشميت العاطس،
وإجابة الدعوة،
وعيادة المريض،
واتباع الجنائز'.،
كما ان الرسول الكريم أمرنا بضرورة عيادة المرضى:
'أطعموا الجائع،
وعودوا المريض،
وفكوا العاني '.
وعن البراء رضي الله عنه قال:
'أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع ونهانا عن سبع: أمرنا بعيادة المريض...'.
ويكفى ان نقول ان الرسول -صلى الله عليه وسلم- وهو الذي تحمّل هموم الأمة كان يعود المرضى،
ويخفف عنهم ويسليهم،
قال عثمان بن عفان رضي الله عنه:
'إنا والله قد صحبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر والحضر،
وكان يعود مرضانا،
ويتبع جنائزنا ويغزو معنا،
ويواسينا بالقليل والكثير'.
فعلى المسلم أن يتعلم هذا الخلق فقد كان السلف رضي الله عنهم يهتمون بعيادة المريض،
فكانوا إذا فقدوا الرجل سألوا عنه،
فإن كان مريضًا عادوه.
ويؤكد لنا الدكتورعلى جريشة -أستاذ الشريعة جامعة الازهر- أن زيارة المريض تزرع في نفسه الاحساس بالحب للاخرين،
وتخفف الآلآم عن نفسه وتشعره برعاية إخوانه وذويه وأصدقائه وكذلك مجتمعه له،
واذا وجد المريض الذى يصاب بمرض مؤلم،
أو طويل يشعره بالخطر على حياته من يعينه على العلاج والشفاء ،
كثيراً ما يبدأ بعد الشفاء سلوكاً جديداً وعلاقات إنسانية أكثر إيجابية وصواباً،
لذا نجد القرآن الكريم يؤكد على أهمية التعاون والمواساة بين أفراد المجتمع،
وفي وصايا الرسول -صلى الله عليه وآله- والائمة الهداة،
نجد توجيهات وإرشادات عدة في هذا المجال منها ما روي في عيادة المرضى والتعاطف معهم كقوله -صلى الله عليه وآله-:
(إذا زار المسلم أخاه في الله عز وجل قال الله عز وجل:
طبت وتبوّأت من الجنّة منزلا) ،
كما روي عن رسولنا الكريم قوله (عودوا مرضاكم وسلوهم الدعاء) .
ويجب ان نعلم ان السنة النبوية ايضاَ تحثنا على ضرورة تكريم المريض وحمل الهدية إليه،
لادخال السرور عليه ،
فمن خلال قراءتنا لمشهد من مواقف الامام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) نرى هذه الممارسة الاخلاقية والحثّ عليها:
عن مولى لجعفر بن محمد (عليه السلام) قال:
(مَرِضَ بعض مواليه فخرجنا إليه نعوده،
ونحن عِدّة من موالي جعفر،
فاستقبلنا جعفر في بعض الطريق،
فقال لنا:
(أين تريدون)؟
فقلنا:
نريد فلاناً نعوده،
فقال لنا:
(قفوا)،
فوقفنا،
فقال:
'مع أحدكم تفّاحة أو سفرجلة،
أو أُترجّة،
أو لَعقة من طيب،
أو قطعة من عود بخور؟) فقلنا:
ما معنا شيء من هذا،
فقال:
(أما تعلمون أن المريض يستريح إلى كلّ ما أدخل به عليه).
وعن فضل عيادة المريض يحدثنا الدكتور مبروك عطية من علماء الأزهر فيقول لنا :
عيادة المرض هي زيارته ،
وسميت عيادة لأن الناس يعودون إليه مرة بعد أخرى،
وقد ذهب بعض العلماء إلى أنها سنة مؤكدة فقد ثبت في الصحيحين قوله صلى الله عليه وسلم :
(خمس تجب للمسلم على أخيه المسلم :
وذكر منها :
عيادة المريض ) ،
وهذا الحديث يدل على الوجوب ،
وقد يؤخذ منها أنها فرض كفاية كإطعام الجائع وفك الأسير .
وقد ورد الكثير من الاحاديث النبوية في فضلها كقوله -صلى الله عليه وسلم- :
( إِنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا عَادَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ لَمْ يَزَلْ فِي خُرْفَةِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَرْجِعَ ) رواه مسلم ،
وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
( مَنْ عَادَ مَرِيضًا أَوْ زَارَ أَخًا لَهُ فِي اللَّهِ نَادَاهُ مُنَادٍ :
أَنْ طِبْتَ وَطَابَ مَمْشَاكَ وَتَبَوَّأْتَ مِنْ الْجَنَّةِ مَنْزِلا ) حسنه الألباني في صحيح الترمذي .
ويجب ان نعلم شىء هاماً وهو ان المريض الذى يتعين زيارته هو المريض الذي يحبسه مرضه عن رؤية الناس ,
ولكن إذا كان مريضاً ولكنه يخرج ويشهد الناس فلا تجب عيادته ،
ولا ننسى ان الرسول الكريم كان يعاود المشرك المريض ،
فقد عاد النبي -صلى الله عليه وسلم- غلاماً يهودياً ودعاه إلى الإسلام فأسلم ،
وحضر النبي موت عمه أبي طالب فدعاه إلى الإسلام فأبى .
وعند زيارة المريض ينبغي أن لا نطيل الجلوس ،
بل تكون الزيارة خفيفة حتى لا يشق عليه (فلا نجلس ونظل نتحدث حتى نصيبه بتعب على تعبه فيكره زيارتنا له بل وقد يطردنا ففى مجتمعنا هذه الأيام البعض منا يذهب لزيارة قريب او صاحب فيقضى معه اليوم كله ويأكل ويشرب ويقوم من فى المنزل بخدمته ويتبادلون الحديث واحياناً ينسون سبب الزيارة التى هى فى الاصل زيارة المريض الذى اكثرنا من تعبه بدلا من التخفيف عليه فهذا امر لا يجوز اطلاقاً)،
أما وقت الزيارة ,
فلم يرد في السنة ما يدل على تخصيصها بوقت معين ،
قال ابن القيم :
لم يخص -صلى الله عليه وسلم- يوماً من الأيام ,
ولا وقتاً من الأوقات بعيادة ,
بل شرع لأمته ذلك ليلاً ونهاراً ,
وفي سائر الأوقات.
لكن يجب مراعاة حال المريض والرفق به ،
فلا ينبغي أن نختار الوقت الأنسب لنا وننسى اننا ذاهبون لشخص مريض قد يكون نائماً او متناولاً دواءَ يتطلب ان يكون مسترخياً (وطبعاً يمكننا تحديد ميعاد قبل الذهاب للمريض ).
ومن السنة أن ندعو للمريض بما ثبت عن رسول الله :
( لا بأس ،
طهور إن شاء الله ) رواه البخاري ،
ويدعو له بالشفاء ثلاثاً ,
فقد عاد النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن أبي وقاص وقال :
( اللهم اشف سعداً ،
ثلاثاً ) رواه البخاري .