كان من المرتقب أن تتم خطبة شقيقة أحد أصدقائي في بداية هذا الشهر ، وقبل موعد الخطبة بأيام قليلة زارت الفتاة وأمها مشعوذة معروفة حول أمر يخص الأم ، وكان برفقتهما صديقي .
عندما انتهت المشعوذة من "فحص" الأم توجهت إلى الفتاة ، وقالت لها كما يفعل كل المشعوذين الذين يغتنمون مثل هذه الفرص لضرب عصفورين بحجر واحد ، بأن شابا سيأتي لخطبتها عما قريب ، طبعا هي ما فراسها ما يتعاود ، فقط كانت الصدفة وحدها التي لعبت دورها ليلتقي "تنبؤ" المشعوذة بقدوم ذلك الشاب . المشعوذة نصحت الفتاة ألا تقبل بالزواج من الخطيب المرتقب ، لأنه ما يسوا ما يصلح ، حسب زعمها . وبما أن فئات واسعة من المجتمع المغربي لديها قابلية كبيرة لتصديق كلام وخرافات السحرة والمشعوذين ، فقد كان لكلمات المشعوذة وقع خاص في ذهن الفتاة وأمها وشقيقها أيضا ، الذي هو صديقي .
بعد العودة إلى البيت ، حكت الأم لباقي أفراد الأسرة ما قالته المشعوذة ، وبعد مناقشة الأمر فيما بينهم كانت الخلاصة هي إبلاغ الخطيب بأنه لم يعد مرحبا به ، هكذا ببساطة شديدة ، وفي هذا الوقت الذي بلغت فيه العنوسة أقصى درجاتها . اللي قالتها الشوافة هي اللي تكون وربي كبير .
عندما حكى لي صديقي هذه الواقعة الغريبة لم أصدقه ، ورغم محاولاتي الكثيرة لإقناعه بأنهم أخطؤوا عندما صدقوا كلام تلك المشعوذة ، إلا أنه أصر على صواب القرار الذي اتخذوه ، وقال بأن " تلك الشوافة تعلم أكثر مما يعلمه الناس العاديون ، لأنها امرأة "غير عادية" ، وإلا كيف عرفت أصلا بأن أختي على موعد مع الخطوبة " . يقول صديقي بنبرة واثقة .
هذه الحالة طبعا ليست سوى واحدة من ألآف الحالات التي تلج كل يوم "عيادات" الكهنة والمشعوذين في المغرب ، ويخرجون منها بقناعات من المستحيل محوها .
الخطير في الأمر هو أن المترددين على المشعوذين ليسوا فقط من الناس غير المتعلمين ، فالأمية ليست وحدها السبب في انتشار الشعوذة بهذا الشكل المخيف ، فهناك أشخاص على قدر كبير من العلم والمعرفة ، وإلى جانب هذا العلم والمعرفة التي تمتليء بها رؤوس هؤلاء توجد مساحة مهمة يوجد فيها إيمان شديد بقدرة الشعوذة والسحرعلى تحقيق ما يعجز الطب الحديث عن تحقيقه ! العلم والمعرفة إذن لا يوفران المناعة اللازمة ضد الوقوع في "عقيدة الشعوذة" . وليس غريبا أن ترى طالبات جامعيات يستسلمن أمام أولاد عيساوة في الشارع العام ، وهم يبحثون لهن عن "أحوال" المستقبل وسط أكفهن التي لم تمنع كل أقلام الحبر التي مرت منها من إعطائهن مناعة تحميهن من الايمان بمثل هذه الخرافات . هل هناك جهل أكبر من هذا .
وكأكبر مثال على أن "الايمان" بالشعوذة لا يقتصر فقط على الناس البسطاء غير المتعلمين ، يكفي أن ننصت لأكبر مشعوذ في المغرب حاليا ، اللي هو المكي ديال الصخيرات ، الذي يفتخر بكونه يتلقى بين فينة وأخرى طلبات للحضور إلى قصور علية القوم من أجل الاستفادة من "بركة" يديه الكريمتين . وهناك من يقول بأن لائحة الشخصيات التي تستفيد من "بركة" الشريف ، توجد فيها أميرات مغربيات . كاع !
ولعل كل من يزور "مزار المكي" في الصخيرات سيكتشف من خلال السيارات الفارهة التي لا يملكها إلا أصحاب الجاه والنفوذ والمال في البلاد ، أن بسطاء المغرب وأغنياءه يشتركون على الأقل في شيء واحد : الإيمان بالشعوذة !
وشخصيا أعرف مشعوذا بدأ حياته كعشاب تافه يجمع بين بيع "العشوب" وبين الشعوذة في بداية السبعينات ، الآن أصبح يملك مشاريع مهمة ، وثروته تقترب من المليار سنتيم . هادي هي الحرفة وإلا فلا . وأعرف آخر عن بعد ، بدأ الشعوذة بشكل "رسمي" قبل سنوات قليلة فقط ، وهو الآن في بداية الثلاثينات من العمر ، وقد سمعت مؤخرا أنه اشترى بيتا بأزيد من مائة مليون سنتيم ، إضافة إلى سيارة مرسيديس ، وكل هذا تأتى له بفضل "عمله" الذي لا يتطلب منه سوى كتابة خربشات بماء الزعفران على أوراق بيضاء ، دون أن يغادر غرفته إلا عندما يكون في رحلة إلى الخليج كي يملأ جيوبه من هناك بالدولار الأمريكي . إيوا سير انت خدم .
هؤلاء المشعوذون يبيعون الوهم للناس ، ويربحون مقابل ذلك أموالا طائلة ، وعلى أي حال فاللوم لا يقع عليهم ، بل يقع على الذين يذهبون عندهم لشراء الوهم ، هؤلاء يفضلون اللجوء للمشعوذين من أجل حل عقدهم النفسية ومشاكلهم المزمنة عوض الذهاب عند الأطباء النفسانيين . صحيح أن الناس البسطاء ليست لديهم إمكانيات ولوج العيادات النفسية الغالية ، لكن الشعوذة على أي حال لن تفيدهم في شيء .
وبما أن المتعلمين وغير المتعلمين يشتركون في "الايمان" بالشعوذة وقدرة المشعوذين على حل مشاكلهم ، فإن السؤال الذي يبحث عمن يجيب عنه هو : ما السبب الذي يجعل الناس أصلا يؤمنون بالشعوذة ما دامت ليست سوى وهما وخرافة ؟ سؤال سيظل ربما معلقا إلى أن يتوفر لدينا علماء اجتماع يهتمون بمثل هذه المواضيع الصغيرة التي لا يهتم بها أحد رغم أهميتها الكبيرة .