إن اللحظات الصعبة التي يمر بها الاقتصاد العالمي ليست بجديدة، حيث إنه كان هناك الكثير من اللحظات الحاسمة في اقتصادات العالم، ومن تلك اللحظات سقوط جدار برلين في العام 1989، ما كشف عن حالة من الخراب الاقتصادي وراء الستار الحديدي، تزيد كثيراً على توقعات أكثر الاقتصاديين الغربيين معرفة. فقد انكشف التخطيط المركزي، باعتباره فشلاً لا يمكن إصلاحه. وقد اقترن به ودعمه الوهم المتزايد بشأن السياسيات الاقتصادية التدخلية الخاصة بالديمقراطيات الغربية، وبدأت رأسمالية السوق استبدال تلك السياسات بهدوء في جزء كبير من العالم. ولم يعد التخطيط المركزي موضع جدل ونقاش. ولم يعد هناك وجود لتلك الخطب التي تكيل له الثناء والمديح. فقد سقط من أجندة العالم الاقتصادية، ما عدا كوريا الشمالية وكوبا. وفي العام 2000، وعلى أثر انهيار شركات الدوت كوم (تكنولوجيا المعلومات) وحتى الحادي عشر من سبتمبر من العام 2001، كان الاقتصاد الأميركي يعاني من كساد ضئيل جداً، ولكن الأمور بدأت تعود للانتعاش بعد خفض سعر الفائدة. وبعد ضربات الحادي عشر من سبتمبر مباشرة، توقف الناس في أنحاء أميركا عن إنفاق أموالهم على كل شيء، ما عدا الأصناف التي تُشرى، استعداداً لهجمات أخرى محتملة: مبيعات البقالة، وأجهزة السلامة، وزجاجات المياه. كما زاد الإقبال على شراء وثائق التأمين، بينما انخفض ما يُنفق على السفر والترفيه والفنادق والسياحة وصناعة المؤتمرات، وسؤالنا هو: في ظل أزمة مالية عالمية حادة هل سيحذو الناس في جميع أنحاء العالم هذا الحذو نفسه، واتخاذ الاحتياطيات نفسها، بحيث تتشظى الحال العالمية إلى حالات صغيرة مغلقة على ذاتها تبحث لها عن حلول ومعالجات محلية، أوجزئية، وإلى حين؟
وفيما خص نبوءة الأزمة الحالية، كان غرينسبان (رئيس بنك الاحتياط الفدرالي السابق)، قد صرح في مقابلة مع الإذاعة الوطنية الأميركية العامة (NPR) في مطلع هذا العام 2008، وقد تم نشرها على موقع (MoneyNews.com) «إن ما عليّ توقعه هو أن شيئا ما غير متوقع سيحدث وسوف يضر بنا جميعا.. إن احتمالات وقوع هذا الأمر في اعتقادي تتزايد، لأننا بدأنا ندخل مناطق حساسة». وأضاف غرينسبان: «إن ما أقوله هو أننا في نقطة انعطاف، وأن التطورات الإيجابية الاستثنائية التي حدثت في الاقتصاد العالمي في السنوات الخمسة عشرة الأخيرة هي تطورات انتقالية، وهي على وشك التغير... لذلك أعتقد أن هذه العملية برمتها ستأخذ منحى عكسيا الآن». وعن أسعار الفائدة قال غرينسبان: «إنها تخضع لعرض أموال الاستثمارات عالميا، وهذه قوة أكبر بكثير من كل الجهود المشتركة للبنوك المركزية، وحتى بنك الاحتياط الفدرالي.. نحن وجميع البنوك المركزية فقدنا السيطرة على القوى التي توجه أسعارا أعلى للمنازل (العقارات)». على خلاف غرينسبان ومعظم الاقتصاديين في العالم الغربي عموما، كان سجل الاقتصادي لاروش، ولايزال، حول التوقع الاقتصادي، الأكثر دقة وعلمية. لقد توقع لاروش منذ سنوات عدة هذه الأزمة المالية العالمية النظامية، وانهيار نظام ما بعد بريتون وودز والدولار العائم. وفي خطاب ألقاه لاروش في 25 يوليو العام 2007، قال لاروش إن الأزمة المالية والمصرفية العالمية قد دخلت مرحلتها الختامية في ذلك الشهر، مؤدية إلى انهيار شامل للنظام المالي والنقدي العالمي خلال أشهر. وبعد أسبوع منذ ذلك الخطاب، بدأت سلسلة انهيارات البنوك العالمية، ابتداء مما سميت خطأ في وسائل الإعلام بأزمة قروض العقارات الأميركية. وقد طرح لاروش مبكرا الحل لأزمة العقارات وأزمة البنوك في صيغة قانون يقدم للكونجرس. وقد قام العديد من مجالس البلديات في ولايات عدة من الولايات المتحدة بتبني مشروع قانون لاروش، وطالب الكونجرس بتبنيه أيضا. إن هذا القانون المسمى «قانون حماية أصحاب المساكن والبنوك» هو خطوة أولى لإخراج اقتصاد الولايات المتحدة من أزمته القاتلة وإتباعها بخطوات أكثر شمولية لتأسيس نظام اقتصادي ونقدي عالمي عادل جديد يسميه لاروش«نظام بريتون وودز الجديد».
ويرى الكثيرون أن فكرة لاروش هي البديل الوحيد لإخراج العالم من كماشة الانهيار الاقتصادي والحروب الفوضوية التي تقف وراءها- الزمرة الاوليجاركية الانجلوهولندية- كما يسميهم لاروش، تلك الزمرة التي تعتقد أن الفوضى هي السبيل الوحيد لإبقاء سيطرتها على الاقتصاد العالمي المعولم الذي هو نسخة جديدة من نظام الإمبراطورية البريطانية نفسه، ونموذج شركة الهند الشرقية البريطانية الاقتصادي العسكري.
إن لدى هذه الزمرة، وتحت التصرف، أخبث جهاز مخابرات على سطح الكوكب، وهو المخابرات البريطانية، الداخلية منها والخارجية التي تغلغلت منذ السبعينيات داخل معظم الجماعات الإرهابية العالمية، تحميها وتسيطر عليها، أو تقضي عليها، بحسب مصالحها الجيوبوليتيكية، خصوصا أن معظمها، مثله مثل معظم معارضات العالم، يمارس نشاطاته انطلاقا من لندن.