هدية صلى الله عليه وسلم في الشرب
روى عبدالله بن المبارك والبيهقى وغيرهما عن النبى إذا شرب أحدكم فليمص الماء مصا ولا يعب عبا فان الكياد من العب والكياد بضم الكاف وتخفيف الباء وهو وجع الكبد وقد علم بالتجربة أن ورود الماء جملة واحدة على الكبد يؤلمها ويضعف حرارتها وسبب ذلك المضادة التي بين حرارتها وبين ما ورد عليها من كيفية المبرود وكميته ولو ورد بالتدريج شيئا فشيئا لم يضادحرارتها ولم يضعفها وهذا مثاله صب الماء البارد على القدر وهى تفور لا يضرها صبه قليلا قليلا وقد روى الترمذى في جامعه عنه لا تشربوا نفسا واحدا كشرب البعير ولكن اشربوا مثنى وثلاث وسموا إذا أنتم شربتم واحمدوا إذا انتم فرغتم وللتسمية في أول الطعام والشراب وحمد الله في آخره تأثير عجيب في نفعه واستمرائه ودفع مضرته قال الأمام أحمد إذا جمع الطعام أربعا فقد كمل إذا ذكر اسم الله في أوله وحمد الله في آخره وكثرت عليه الأيدي وكان من حل فصل وقد روى مسلم في صحيحه من حديث جابر بن عبدالله قال سمعت رسول الله يقول غطوا الإناء وأوكوا السقاء فأن في السنة ليلة ينزل فيها الوباء لا يمر بإناء ليس عليه غطاء وسقاء ليس عليه وكاء إلا وقع فيه من ذلك الداء وهذا مما لا تناله علوم الأطباء ومعارفهم وقد عرفه من عرفه من عقلاء الناس وبالتجربة قال الليث بن سعد أحد رواة الحديث الأعاجم عندنا يتقون تلك الليلة في السنة في كانون الأول منها وصح عنه أنه أمر بتخمير الإناء ولوأن يعرض عليه عودا وفي عرض العود عليه من الحكمة انه لا ينسى تخميره بل يعتاد حتى بالعود وفيه انه ربما أراد الدبيب أن يسقط فيه فيمر على العود فيكون العود جسرا له يمنعه من السقوط فيه وصح عنه أنه أمر عند ايكاء الإناء بذكر اسم الله فان ذكر اسم الله عند تخمير الإناء يطرد عنه الشياطين وإبكاؤه يطرد عنه الهوام ولذلك أمر بذكر اسم الله في هذين موضعين لهذين المعنيين وروى البخاري في صحيحه من حديث ابن عباس أن رسول الله نهى عن الشرب من في السقاء وفي هذا آداب عديدة منها أن تردد أنفاس الشارب فيه يكسبه زهومة ورائحة كريهة يعاف لأجلها ومنها أنه ربما غلب الداخل إلى جوفه من الماء فتضرر به ومنها انه ربما كان فيه حيوان لا يشعر به فيؤذيه ومنها أن الماء ربما كان فيه قذاة أو غيرها لا يراها عند الشرب فتلج جوفه ومنها أن الشرب كذلك يملا البطن من الهواء فيضيق عن أخذ حظه من الماء أو يزاحمه أو يؤذيه ولغير ذلك من الحكم فان قيل فما تصنعون بما في جامع الترمذى أن رسول الله دعا باداوة يوم أحد فقال اختنث قم الاداوة ثم شرب منها من فمها قلنا نكتفى فيه بقول الترمذي هذا حديث ليس إسناده بصحيح عبدالله ابن عمر العمرى يضعف من قبل حفظه ولا أدرى سمع من عيسى أو لا انتهى يريد عيسى بن عبدالله الذي رواه عنه عن رجل من الأنصار فصل وفي سنن أبي داود من حديث أبي سعيد الخدري قال نهى رسول الله عن الشرب في ثلمة القدح وأن ينفخ في الشراب وهذه من الآداب التي يتم بها مصلحة الشارب فان الشرب من ثلمة القدح فيه عدة مفاسد أحدها أن ما يكون على وجه الماء من قذى أو غيره يجتمع إلى الثلمة بخلاف الجانب الصحيح والثاني انه ربما شوش على الشارب ولم يتمكن من حسن الشرب من الثلمة الثالث أن الوسخ والزهومة تجتمع في الثلمة ولا يصل إليها الغسل كما يصل إلى الجانب الصحيح الرابع أن الثلمة محل العيب في القدح وهى اردأ مكان فيه فينبغي تجنبه وقصد الجانب الصحيح فإن الرديء من كل شئ لا خير فيه ورأى بعض السلف رجلا يشترى حاجة رديئة فقال لا تفعل أما علمت أن الله نزع البركة من كل رديء الخامس أنه ربما كان في الثلمة شق أم تحديد يجرح فم الشارب ولغير هذه من المفاسد وآما النفخ في الشراب فانه يكسبه من فم النافخ رائحة كريهة يعاف لأجلها ولا سيما أن كان متغير الفم وبالجملة فأنفاس النافخ تخالطه ولهذا جمع رسول الله بين النهى عن التنفس في الإناء والنفخ فيه في الحديث الذي رواه الترمذي وصححه عن ابن عباس رضى الله عنهما قال نهى رسول الله أن يتنفس في الإناء أو ينفخ فيه فان قيل فما تصنعون بما في الصحيحين من حديث أنس أن رسول الله كان يتنفس في الإناء ثلاثا قيل نقابله بالقبول والتسليم ولا معارضة بينه وبين الأول فان معناه أنه كان يتنفس في شربه ثلاثا وذكر الإناء لأنه آلة الشرب وهذا كما جاء في الحديث الصحيح أن إبراهيم ابن رسول الله مات في الثدي أي في مدة الرضاع فصل وكان يشرب اللبن خالصا تارة ومشوبا بالماء أخرى وفي شرب اللبن الحلو في تلك البلاد الحارة خالصا ومشوبا نفع عظيم في حفظ الصحة وترطيب البدن ورى الكبد ولا سيما اللبن الذي ترعى دوابه الشيح والقيصوم والخزامى وما أشبهها فان لبنها غذاء مع الأغذية وشراب مع الأشربة وداء مع الأدوية وفي جامع الترمذى عنه إذا أكل أحدكم طعاما فليقل اللهم بارك لنا فيه وأطعمنا خيرا منه وإذا سقى لبنا فليقل اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه فانه ليس شئ يجزئ من الطعام والشراب ألا اللبن قال الترمذى هذا حديث حسن