عدد المساهمات : 378 نقاط : 0 تاريخ التسجيل : 08/11/2008
موضوع: الحسد للدكتور محمد راتب النابلسي الأربعاء نوفمبر 19, 2008 2:24 pm
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
اقدم لكم اليوم
الدكتور محمد راتب النابلسي
الحسد ومعالجة الحسد
أيها الإخوة الكرام ، مع الدرس التاسع والثلاثين من دروس العقيدة الإسلامية ، ولازلنا في موضوع الحسد ، ولكن حينما تجد في القرآن الكريم الذي هو كلام الله ، والذي تعبَّدنا الله بتلاوته ، والذي يتلوه المسلمون آناء الليل وأطراف النهار ، حينما تجد موضوعاً في القرآن الكريم فهو من الأهمية بمكان ، كتاب يتلى إلى آخر الدوران ، وفيه موضوعات ، هذه الموضوعات أساسية جداً في حياة الإنسان ، لذلك حينما ذكر الله الحسد في أربع آيات في كتاب الله معنى ذلك أن الحسد يحتل مساحة كبيرة جداً ، العلاقات بين بني البشر ، وأن مشكلات لا تنتهي ، وأن حروباً لا تنتهي أساسها الحسد ، وأن خصومات بين الأسر وبين حالات طلاق وبين انفصام شركات أساسها الحسد .
فلذلك أيها الإخوة الكرام ، الإنسان حينما يراقب نفسه ، وحينما يتعاهد قلبه ، وحينما يبلغ درجة الوعي والتأمل لحال قلبه يكون قد قطع مسافةً جيدة في طريق سلامته وسعادته ، أحياناً الإنسان ـ بالتعبير الحديث ـ بعقله الباطن يحسد دون أن يشعر ، وبسبب حسده ينتقم ، وبسبب حسده يقسو ، وبسبب حسده يتحرك ليوقع الأذى بأخيه ، وحينما يرى الأخ أن أخاه ناله بالأذى تنشأ العداوة والبغضاء ، ولا شيء يخدم الشيطان كالعداوة والبغضاء بين المؤمنين ، الحسد مع السلوك مع القسوة يرافقه الغيبة والنميمة هو الذي يفتت المجتمع .
لكن أيها الإخوة الكرام ، حينما نبحث عن صفات الحاسد فهذا البحث مفيد جداً ، لأنه مقياس وإنذار مبكر ، الله عز وجل يقول :
[ سورة آل عمران : 118]
إذا تفوقت طُعِنتَ في الظهر ، إذا تفوقت هناك من يقول : إخلاصه ليس جيداً ، هناك من يقول : لقد حققت مصلحة مادية من عمله ، بل إن الناس الذين التقوا بالأنبياء وهم قمم البشر ، وهم من الكمال بحيث لا يصدق ، قالوا لهم : إن أنتم إلا بشر مثلنا تريدون أن تتفضلوا علينا.
أنتم همّكم الاستعلاء ، هذه تهمة اتهم بها الأنبياء ، فالحسود لا يفتأ يبخس عمل المتفوق ، لا يفتأ يطعن في نيته ، لا يفتأ يطعن في إخلاصه لا يفتأ يقلل من قيمة عمله ، هذا شأن الحسود ، فالصفة التي ذكرها القرآن الكريم :
[ سورة آل عمران : 118]
صفة أخرى بينها القرآن الكريم من صفات الحاسد ، وأنا متأكد أن الإنسان أحياناً يحسد دون أن يشعر ، يحسد فيتجه إلى الطعن بالآخرين , إلى بخس عملهم ، وإلى التقليل من شأنهم، وإلى إلصاق التهم بهم دون أن يشعر بدافع الحسد ، قال تعالى :
[ سورة آل عمران : 119]
حينما يحسد الإنسان يأخذ وجهين حفاظاً على مكانته وسمعته ، إذا التقى بإنسان تفوق عليه يهنئه ، ويقول : نحن نعتز بك ، لكن حينما ينطوي على نفسه يتألم ألماً لا حدود له ، وفي غيبته يطعن به ، هذه مشكلة المسلمين حينما يضعف إيمانهم ، فيفشوا بينهم الحسد والضغينة .
صفة أخرى من صفات الحسود ، قال تعالى :
[ سورة آل عمران : الآية 120]
إن جاءكم الخير يتألمون ، وإن جاءتكم المصائب تترى يفرحون ، إذاً هم في خندق آخر ، هذه الفكرة شرحتها مرة ، هل تجد على وجه الأرض من دون استثناء أُمًّا تفرح بسقوط ابنتها؟ بفضيحة ابنتها ؟ مستحيل ، إلا أنك إن رأيت امرأة تفرح بفضيحة ابنتها فاعلم أنها ليست ابنتها، ولا يمكن أن تجد مؤمناً يفرح بمصيبة نزلت بالمؤمنين ، أو يتألم بخير أصاب المؤمنين، فإن فعل هذا فاعلم أنه ليس مؤمناً ، الإنسان حينما يحسد يضع نفسه في خندق المنافقين ، علامة النفاق الحسد ، وعلامة الإيمان الغبطة .
صدق أيها الأخ أن أخاً لك أصابه خير إن لم تفرح له ، وكأن الخير أصابك فأنت لست بمؤمن ، إن لم تفرح له بهذا الخير فأنت لست بمؤمن ، هذا كلام دقيق جداً أسوقه في هذا الموضوع ، إن لم تفرح لخير أصاب أخاك فلست بمؤمن ، إن لم تتألم لمصاب أصاب أخاك فلست بمؤمن .
[ سورة آل عمران : الآية 120]
من صفات الحاسدين في القرآن الكريم ، قال تعالى :
[ سورة محمد ]
تعرفهم في لحن القول ، سبحان الله ! الإنسان حينما يخفي شيئاً يظهر بفلتات لسانه ، أراد رجل أن يمدح إنساناً لمصلحة ، لكنه لا يحبه ، بل يبغضه ، بل يحسده ، فقال :
أحبُّ الصالحين ولستَ منهم ، هي : ولستُ منهم ، البيت الذي قاله الشافعي :
أحب الصالين ولستُ منهـم لـعلّي أن أنال بهم شفاعـة
وأكره من بضاعته المعاصي ولـو كن سواءً في البضاعة
***
ماذا قال ؟ أحب الصالحين ولستَ منهم ، هذه فلتة لسان عبرت عن مكنون هذا الإنسان ، إذاً لحكمة أرادها الله عز وجل الغيظ والحقد والحسد الذي ينطوي عليه الإنسان يظهر من فلتات لسانه ، قال تعالى :
[ سورة محمد ]
بسيماهم أي صفحة الوجه ، أيضاً لحكمة بالغة بالغة جعل الله وجه الإنسان مرآة قلبه ، وهناك أناس عندهم خبرة عالية ، أنت حينما تغتاظ يظهر الغيظ على صفحة وجهك ، وحينما تتألم يظهر الألم على صفحة وجهك ، وحينما تظهر شيئاً مفرحا تظهر ابتسامة ساخرة على ملامح وجهك ، الوجه مرآة القلب ، وما من شيء يضمره الإنسان في قلبه إلا ويظهر في طريقتين ، يظهر في صفحة وجهه ، وعلى لسانه ، فلتات اللسان تعبر عن حقيقة القلب ، وصفحة الوجه كذلك ، لذلك أحياناً تظهر على وجه تراه ملائكياً بريئًا طاهرًا لا يحمل حقداً ، ولا غلاً ، ولا حسداً ، ولا شيئاً من هذا القبيل ، فالوجه مرآة القلب .
مرة سيدنا عثمان ـ هكذا يروى ـ دخل على مسجده رجل قد ارتكب الزنا ، فقال : أيزني أحدكم ، ويأتي إلى المسجد ؟ فدهش الصحابة ، قالوا : أوحي بعد رسول الله ؟ قال : لا ، ولكنها فراسة صادقة .
ترى الشهواني وجهه أزرق ، المؤمن الطاهر وجهه منير مشرق ، لكن أنا أتمنى ألاّ يستعملها أحد ، قد تكون ضعيف الإحسان ، وقد تكون ضعيف الخبرة فتتهم إنسانًا من دون دليل ، هذا شيء لا يمكن أن يتخذ دليل قضيةِ الفراسة وقضية الإشراق ، وأحياناً تجد إنسانًا لونه أبيض ، ودائماً يشرب عصيرًا ، وينام خمس ست ساعات كل يوم ، ترى وجهه مثل البدر ، ما شاء الله على هذا الصلاح ، يكون أكبر مجرم ، ممكن ، وقد تجد إنسانًا ملوّنًا ، ولكن الطهر والبراءة في وجهه وكأنه بدر ، والله ، القضية ليست قضية مادية ، أن اللون أبيض ، وعلى كل خد وردة ، وفيه تألق ، وعين زئبقية ، ليس هذا هو المقياس ، المقياس أن إنسانا حينما يتصل بالله عز وجل تظهر البراءة على وجهه ، والإشراق على وجهه ، قال