الحب صناعة ربانية خالصة. لا يستطيع بشر أن يخلقه حتي ولو أنفق مال الدنيا كله. بل حتي لو كان من ينفق مال الدنيا
كله لخلق الحب في القلوب. ولتأليف النفوس هو أشرف الخلق وخاتم النبيين والمرسلين محمداً - صلي الله عليه وسلم -
وقد بين القرآن الكريم ذلك صراحة في قول الله - تعالي: "وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين
قلوبهم ولكن الله ألف بينهم". فإن في هذا القول الكريم دلالة واضحة علي أن الحب وتأليف القلوب إنما هو عمل رباني
خالص. كما جاء في القرآن الكريم ما يدل علي أن الله - تعالي - هو الذي يملك توجيه قلوب الناس نحو الحب. وهم لا
يقدرون علي ذلك رغم أن قلوبهم أعضاء في أبدانهم. قال سبحانه: "واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه". ففي هذا القول
الكريم ما يفيد أن الله تعالي يحول بين الناس وقلوبهم فلا يكون لهم سلطان عليها لتحب أو تكره وفقاً لما يريدون. ولكنه -
سبحانه - هو الذي يوجه تلك القلوب نحو الحب أو البغض. ولهذا طلب النبي من ربه أن يعفيه من المؤاخذة علي ما لا يملكه
من ميول قلبه. وذلك فيما صح في الحديث عنه - صلي الله عليه وسلم: "اللهم هذا قسمي فيما أملك. فلا تؤاخذني فيما
تملك ولا أملك" وهو - عليه السلام - يقصد بما لا يملكه ميول قلبه لأم المؤمنين عائشة أكثر من أمهات المؤمنين
الآخريات. وشواهد الحياة تدل علي هذا المعني وتؤكده فهي تمثل سنناً كونية تصدق تلك المعاني الشرعية وتدل عليها. فأنت
تري الواحد من الناس قد ينفق ملايين الأموال علي امرأة من أجل تأليف قلبها وانتزاع حبها من بين حشاياها. فلا تملك من
أمر قلبها شيئاً ولا تقدر علي خداع مشاعرها بمطاوعة من يغدق عليها تلك الأموال الوفيرة. وكلما طاردها بالكلمات الجميلة
والعبارات المعسولة ازدادت هماً ونكداً. مع أن الأنثي يسعدها سماع الكلام الجميل ممن يبدي حباً لها. وقد تتركه رغم كثرة
ماله ووفرة انفاقه وتمضي بكافة مشاعرها وكل اهتمامها تجاه شخص معدم فقير وهي تعلم أنه لن يوفر لها من رفاهية الحياة
ما يبلغ معشار ما سيوفره لها ذلك الذي يضع ماله كله رهن إشارتها. ولكن راحة قلبها لديها خير من مال الدنيا كله. وقد ألف
الناس تلك السنن الكونية قديماً وحديثاً فألفوا فيها القصص وصنعوا لها الأفلام التي تبرز وجودها. وتدل علي وقوعها. ففي
القديم ظهر فيلم الباخرة التي غرقت وتركت بطلة العمل فيه رجلها الثري البرجوازي المتيم بها. والمجنون بحبها ومضت
إلي أحد الصعاليك ممن وجدت هواها معه. ومال قلبها له. حتي مات بجوارها غريقاً علي سطح المحيط وتركها للوحدة
والضياع فلم تفكر في العودة إلي من سبق أن نفر قلبها منه. واليوم نجد من ينفق الملايين علي مغنية مغمورة فتقبل منه
ملايينه ولا تقدر علي تطويع قلبها في حبه. وتمضي إلي أحد الصعاليك في بلد أوروبي لتأنس بجواره وتعيش بالقرب منه.
وليمضي عليها قراراته بالابتعاد وعدم الرد الهاتفي علي من يغدق عليها تلك الملايين ولله في خلقه شئون.