قبل فترة قصيرة من إعلان الحكومة البريطانية في الأسبوع الماضي عن خططها اللافتة للأنظار، الرامية إلى إنقاذ البنوك، قام بعض السياسيين والمسؤولين الماليين في بريطانيا بزيارة سريعة إلى اليابان.
الجولة السريعة إلى أحد أطراف المعمورة تركت انطباعاً قويا. سمع المسؤولون البريطانيون كلمات حماسية متقدة من المسؤولين اليابانيين، الذين كانوا تواقين لأن يشرحوا للبريطانيين كيف أن طوكيو لم تتمكن من الخروج من أزمتها البنكية في التسعينيات إلا بحقن كميات كبيرة من السيولة في البنوك اليابانية. فهم البريطانيون المقصود وأعلنوا عن خططهم الخاصة بإعادة رسملة البنوك.
لكن هناك الآن درس ثان من اليابانيين يحسن بكبار المسؤولين والمستثمرين على حد سواء أن يتأملوه جيداً في الوقت الذي ينظرون فيه إلى الأسواق. ففي حين أن تاريخ المتاعب البنكية اليابانية يُظهر أن إعادة الرسملة هي في الغالب شرط ضروري لحل الأزمة البنكية، إلا أنها غير كافية لشفاء الألم الاقتصادي.
بصورة أكثر تحديداً، حين صمدت اليابان وتجلدت في وجه العاصفة وخصصت 25 ألف مليار ين لتقديم رأس المال إلى البنوك عام 1999، بعد سنوات من التردد والعذاب والتأجيل من قبل السياسيين اليابانيين، فإن هذا عمل على إنهاء الهلع في القطاع البنكي. لكن هذا الانقلاب والتحسن في حظ البنوك لم يؤد فوراً إلى تعافي الاقتصاد الواسع.
ظلت الصورة الاقتصادية قاتمة لبضع سنين، بل الوضع لم يتحسن في اليابان إلا بعد أن تمتعت بجرعة مفاجئة فوق العادة من حسن الحظ، على شكل طفرة عجيبة في الصادرات اشتعلت بفعل النمو المفاجئ في الصين. عندها أخذت كثير من أجزاء "الاقتصاد القديم" في اقتصاد اليابان، مثل قطاع الإنشاءات، العودة إلى النشاط والقوة من جديد.
هذه الأيام يغلب على ظن صانعي السياسة في طوكيو أن هناك سببين على الأقل لهذا التباطؤ في تحسن الأوضاع، وكلاهما مهم لأحداث اليوم. الأول، حين يتعرض النظام المالي إلى أزمة بهذا الحجم، فلا بد من مرور وقت حتى يستعيد المستهلكون والشركات والبنوك أعصابهم وقدرتهم على التقدم. فمن المعروف أنه حين تتحطم الثقة تكون دائماً بحاجة إلى الوقت حتى تعود إلى سابق عهدها. لذلك المستهلكون اليابانيون والبنوك اليابانية، حتى بعد مرور عقد على الأزمة، لم يتمكنوا من التخلص تماماً من بعض الندب النفسية.
لذلك من المثير للسخرية أن نتوقع، كما ألمح بعض السياسيين البريطانيين في الأيام القليلة الماضية، أن البنوك ستزيد الآن من كميات قروضها للاقتصاد الحقيقي نتيجة لعمليات الإنقاذ. الأمر الذي يرجح أن تفعله البنوك، على الأقل في المدى القصير، هو التركيز على النشاط مع المؤسسات والأفراد الذين يعتبر التعامل معهم مأموناً تماماً دون أدنى شبهة من العسر (والذين ربما يكونون لهذا السبب أقل الأطراف حاجة للقروض). معنى ذلك أننا ندخل الآن فترة من التقنين الائتماني، وهو أمر من شأنه أن يضر بكثير من الشركات التي تتعامل بالديون الثقيلة.
المشكلة الثانية هي مفعول "التغذية الراجعة". في السنوات التي تلت الإعلان عن صفقة الإنقاذ بقيمة 25 ألف مليار ين في اليابان، استمر الاقتصاد الحقيقي في إنتاج حالات جديدة من إعسار الشركات والمستهلكين، أي المزيد من الديون الرديئة. وهذا جعل من الصعب على البنوك إقناع المساهمين (أو إقناع أنفسها) بأنه قد تم الوصول إلى طفرة حقيقية، أو حتى بأن حقن رأس المال كان كافياً لمعالجة الفساد. لذلك لم يكن مما يبعث على المفاجأة أن الثقة في البنوك والأجهزة الرقابية والمقترضين ظلت متدنية، ما زاد من استنزاف طاقة الاقتصاد.
بطبيعة الحال البُشرى السارة من اليابان هي أن المنحنى الهابط أخذ بالتراجع بالفعل مع تقدم العقد الحالي. ويفترض أن يعمل هذا على فتح أعين الناس في الوقت الحاضر وأن ينبههم إلى واقع الحال. لاحظ أنه حين تصاب الأسواق بالهلع يكون في الغالب من الصعب على الناس تصديق أن الأمور ستعود إلى طبيعتها أصلاً. لكن يجدر بنا أن نتذكر أن نقطة التحول الحقيقية جاءت في طوكيو عام 2002، في اللحظة التي أخذ فيها كثير من المستثمرين الشعور باليأس والاقتناع بأنهم لن يشهدوا أبداً نهاية لقصة الديون الرديئة. لا عجب إذن في أن بعضاً من الذين حققوا أرباحاً طائلة بالمراهنة على تعافي البنوك في ذلك الحين، مثل صندوق سوفرين كابيتال Sovereign Capital، تتحرك الآن بهدوء للقيام برهانات مماثلة في الغرب.
تظل هناك حقيقة مؤلمة: عُقَد التغذية الراجعة يمكن فكها، لكن هذا لا يمكن أن يحدث إلا من خلال سياسات اقتصادية مساندة، إلى جانب الوقت والحظ. لا عجب إذن في أن صانعي السياسة يصرون على أن تخلق البنوك احتياطيات هائلة من رأس المال. وبالتالي، الخروج من نفق التغذية الراجعة يمكن أن يستغرق بضعة أشهر، إن لم يكن بضع سنوات. حتى مع توافر نوع من الحظ الذين يحتاج إليه الجميع بصورة ماسة.