[b][b]فالآباء تجاه التعامل مع عام الطفل صنفان غالبان:
الصنف الأول: يعتبر عالم الطفل نسخة مصغرة من عالم الكبار، فيسقط عليه خلفياته وتصوراته.
الصنف الثاني: يعتبر عالم الطفل مجموعة من الألغاز المحيرة والطلاسم المعجزة، فيعجز عن التعامل معه.
إن عالم الطفل في الواقع ليس نسخة مصغرة من عالم الكبار، ولا عالما مركبا من ألغاز معجزة.
بل هو عالم له خصوصياته المبنية على مفاتيح بسيطة، من امتلكها فهم وتفهم، ومن لم يمتلكها عاش في حيرته وتعب وأتعب
فما هي إذن مفاتيح عالم الطفل التي بها سنتمكن بها من فهم سلوكه وخلفياته على حقيقتها فنتمكن من
التعامل الإيجابي معه ؟
ثانيا: هكذا نفهم عالم الطفل:
لعالم الطفل مفاتيح، لا يدخله إلا من امتلكها، ولا يمتلكها إلا من تعرف عليها، وهي:
1- الطفل كيان إنساني سليم وليس حالة تربوية منحرفة.
2- الواجب عند الطفل يتحقق عبر اللذة أساسا وليس عبر الألم.
3- الزمن عند الطفل زمن نفسي وليس زمنا اجتماعيا.
4- العناد عند الطفل نزوع نحو اختبار مدى الاستقلالية وليس رغبة في المخالفة.
5- الفضاء عند الطفل مجال للتفكيك أي المعرفة وليس موضوعا للتركيب أي التوظيف.
6- كل رغبات الطفل مشروعة وتعبيره عن تلك الرغبات يأتي أحيانا بصورة خاطئة.
7- كل اضطراب في سلوك الطفل مرده إلى اضطراب في إشباع حاجاته التربوية.
و في ما يلي تفصيل ذلك:
1- الطفل كيان إنساني سليم وليس حالة تربوية منحرفة:
أولى مفاتيح عالم الطفل، تكمن فيما ورد عن المربي الأول صلى الله عليه وسلم: ' ما من مولود إلا يولد على الفطرة ' ليس
هناك من يجهل هذه المقولة، ولكن القليل منا من يستطيع توظيف هذا الموقف النظري في تعامله مع الطفل: لأن المتأمل
في نوع التدخل الذي نقوم به تجاه سلوك أطفالنا يدرك مباشرة أننا نتعامل
معهم على اعتبار أنهم حالة تربوية منحرفة يلزمنا تقويمها، لا باعتبارهم
كيانا إنسانيا سليما، كما يقتضيه فهمنا لمعنى 'الفطرة' الوارد في الحديث
الشريف.فنعمل بمقتضى ذلك المفهوم المنحرف على الوقوف موقفا سلبيا ومتسرعا
تجاه أي سلوك لا يروقنا ولا نفهمه، فنحرم بذلك أنفسنا من الانسياب إلى
عالم الطفل الممتع والجميل.
إن الإيمان بأن كل مولود يولد على الفطرة ليس مسألة حفظ بالجنان وتلويك
باللسان، بل هو تصور عقدي ينبني عليه التزام عملي تربوي ثابت.
فالانحراف عن هذا التصور يجعل سلوكنا تجاه أبنائنا منذ البداية محكوما عليه بالفشل الذريع.
إذ إنه من مقتضيات الإيمان بولادة الإنسان على الفطرة: الاعتقاد بأن الله
تعالى قد منح الطفل من الملكات الفطرية والقدرات الأولية ما يؤهله ليسير
في رحلته في هذه الدنيا على هدى وصواب، وبذلك التصور سيتحدد نوع تدخلنا في
كيانه، والذي يتجلى في وظيفة محددة هي: الإنضاج والتنمية، لا التقويم
والتسوية، أي ستقتصر وظيفتنا تجاه الطفل على تقديم يد المساعدة للطفل حتى
ينضج تلك الملكات وينمي تلكم القدرات. بل إن من مقتضيات توظيف هذا الحديث
النبوي الشريف أنه حينما نلحظ انحرافا حقيقيا في سلوك الطفل، فعلينا أن
نراجع ذواتنا ونتهم أنفسنا ونلومها ونحاسبها، لأننا سنكون نحن المسؤولين
عن تحريف تلك الفطرة التي وضعها الله تعالى بين أيدينا أمانة سوية سليمة،
فلم نحسن الحفاظ عليها، ولم نؤد حقها على الوجه المطلوب.. وبذلك سوف نشفى
من أعراض النرجسية التي تصيب معظم الآباء، حيث سنتمكن من تطوير ذواتنا
باستمرار عن طريق عرضها على ميزان
النقد والتقويم.فالطفل كيان إنساني سليم وليس حالة تربوية منحرفة.
2- الواجب عند الطفل يتحقق عبر اللذة أساسا وليس عبر الألم:
نعم إن خوف الطفل من الألم قد يجعلك تضبط سلوكه ولو
لفترة معينة، ولكنك لن تستطيع التعويل باستمرار على تهديده بالألم إذا كنت
تريد أن تبني في كيانه قيمة احترام الواجب والالتزام به.
كما لن يمكنك تفادي الآثار السلبية لما يحدثه الألم في نفسه وشخصيته، وهو
ما سنتطرق إليه بعد هذا الجزء من الحديث لا تنتظر من الطفل أن يقوم بما
عليه القيام به من تلقاء نفسه وبشكل آلي، بل وحتى بمجرد ما تأمره به،
والسبب هو أن مفهوم الواجب عنده لم ينضج بعد، وهو من المفاهيم المجردة
التي ينبغي تنشئة الطفل عليها بشكل تدريجي.فحينما تأمره أن يقوم بإنجاز
تمارينه المدرسية مثلا، فإن استجابته لك لن تتحقق ما لم تربطها بمحفز يحقق
له متعة منتظرة، مثل الوعد بفسحة آخر الأسبوع أو زيارة من يحبه... حتى
يرتبط فعل الواجب لديه باستشعاره للمتعة التي سوف يجنيها.
فيكون الهدف هو أن يصبح الطفل متعلقا بفعل الواجب قدر تعلقه بتحقيق تلك
المتعة وما يدعم ذلك هو أن الطفل أثناء تنفيذه للواجب، فإنه يفعل ذلك
بمتعة مصاحبة، كأن يغني وهو يكتب، أو يقفز على رجل واحدة و هو ذاهب لجلب
شيءما.. وعلى أساس هذا الاعتبار تأسست مدارس تعليمية، تعتمد اللعب وسيلة
أساسية لتعليم الصغار. ويعتقد بعض الآباء أن ربط الواجب بالمحفزات، وخاصة
المادية منها، سوف يوقعهم في تدليل أبنائهم. وهو ما نعتبره خلطا في
المفاهيم قد يقع فيه الكثير، وبكلمات سريعة موجزة نقول: إن الدلال هو منح
المتعة بدون ربطها بالقيام بالواجب، وغالبا ما يكون تقديم تلك المتعة
استجابة لابتزاز يمارسه الطفل على والديه، بل هي أحيانا منح المتعة مقابل
اقتراف الخطأ، وذلك انحراف كبير في السلوك التربوي تجاه الأبناء.وما نتحدث
عنه نحن بهذا الصدد مخالف كما ترى لهذه الصورة.
إن تفهم هذا الأمر عند الطفل سيجعل تعاملنا معه أثناء إلزامه بفعل الواجب
تعاملا إيجابيا وخاليا من التوتر فالواجب عندالطفل يتحقق عبر اللذة أساسا
وليس عبر الألم.
[/b][/b]