أثار التعديلات السياسية
إن الحديث عن حرية العمل السياسي يقودنا إلى الحديث عن حرية العمل الحزبي، على اعتبار أن الحزب السياسي يمثل الإطار المنظم والمضبوط لأي نشاط سياسي تتحد فيه الأفكار والرؤى المنسجمة لبلورة برنامج يهدف من ورائه أصحابها إلى تولي السلطة. ويعرف الحزب (Le parti) حسب معجم Larousse على أنه مجموعة أشخاص تعارض مجموعة أشخاص أخرى في الأفكار، المصالح.... في حين عرفه بعض الفقه على أنه اتحاد مجموعة من الأفراد يبذلون جهودا مشتركة من أجل المصلحة الوطنية، بالاستناد إلى بعض المبادئ التي يعتنقونها. وعرفه الأستاذ B.CONSTANT (1816) على أنه اجتماع عدد من الناس يعتنقون العقيدة السياسية نفسها. كما عرف الحزب السياسي على أنه جماعة متحدة من الأفراد تعمل بمختلف الوسائل الديمقراطية للفوز بالحكم بقصد تنفيذ برنامج سياسي معين.
وعموما يمكن تعريف الأحزاب السياسية على أنها تنظيمات شعبية تستقطب الرأي العام و تستهدف تولي السلطة في الدولة. و يسمى الحزب بالسياسي لأنه يقوم بينه و بين الدولة تناغم وانسجام فيكرس نفسه للمصلحة العامة.
و قد وضع الأستاذ Joseph LaPalombara أربعة معايير لتمييز الحزب السياسي: الأول هو كون هذا التنظيم يتصف بالدوام، فتكون أهداف الحياة السياسية أسمى من أهداف مسيريه. و المعيار الثاني هو كون هذا التنظيم يتصف بالشمولية فيضمن وجود شبكة دائمة و كاملة للعلاقات بين مسيري الحزب وقاعدته الشعبية. و المعيار الثالث هو الرغبة المعلنة لممارسة السلطة. أما المعيار الأخير فهو الرغبة في البحث عن دعم شعبي.
و تتعدد الأنظمة الحزبية فنجد نظام الثنائية الحزبية(Le dualisme des partis) كما هو الحال مثلا بالنسبة للحزب الجمهوري و الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة الأمريكية. وهناك نظام تعدد الأحزاب ( La multipartisme)، إضافة إلى نظام الحزب الواحد ( Le parti unique) الذي ظهر في القرن العشرين كأحد الأنظمة الشمولية.
و بالنسبة للجزائر فلم تعرف التعددية الحزبية إلا حديثا. فغداة الاستقلال اختارت القيادة السياسية نظام الحزب الواحد، و تجسد ذلك في المادة 23 من دستور سنة 1963 التي نصت على أن جبهة التحرير الوطني هو حزب الطليعة في الجزائر، فاستولت الجبهة على الحزب وعلى الدولة و كذا على الأمة. غير أن دستور سنة 1963 لم يعمر طويلا إذ سرعان ما تم إلغاؤه بسبب الأحداث التي عرفتها الجزائر نهاية سنة 1963. ثم جاء التصحيح الثوري في 19 جوان 1965 و تلاه صدور إعلان 10 جويلية 1965 الذي عزز من قبضة الحزب الواحد على الدولة. و لم يأت دستور سنة 1976 بجديد عندما نص في المادة 94 على النظام التأسيسي الجزائري يقوم على مبدأ الحزب الواحد.
غير أنه مع وفاة الرئيس الراحل هواري بومدين و خلافته بالرئيس الشاذلي بن جديد، بدأت ملامح الصراع تتجلى داخل الحزب بظهور جناح محافظ لنهج الراحل هواري بومدين وجناح إصلاحي كان يقوده الرئيس الشاذلي بن جديد. و قد أدت الإصلاحات التي باشرها هذا الأخير إلى تردي الأوضاع الاجتماعية، وانتهى الأمر باندلاع أحداث 05 أكتوبر 1988 والتي حاولت السلطة احتواءها بالإعلان عن موجتين من الإصلاحات، كانت إحداها تحويل الحزب إلى جبهة تضم مختلف الحساسيات التي يتكون منها المجتمع. لكن هذه المحاولات فشلت ولم تصمد أمام ضغط الشارع و تأثيرات الظرف الدولي، فحدثت القطيعة مع النظام الدستوري المنبثق عن دستور سنة 1976 و تم تبني دستور جديد في 23 فبراير 1989 باستفتاء شعبي وكرس لأول مرة في تاريخ الجزائر المستقلة نظام التعددية الحزبية. و التساؤل الذي نطرحه في هذا السياق هو: ما هي مظاهر هذا التكريس؟ وهل تم توفير الضمانات الكافية للعمل الحزبي؟ و ما أثر التعديل الدستوري لسنة 1996 على حرية العمل السياسي في الجزائر، و ما هي الحلول المقترحة للنهوض بهذا الحق؟
هذا ما سنحاول الإجابة عليه بتقسيم دراستنا إلى قسمين رئيسيين: نتعرض في الأول منهما إلى حرية العمل السياسي في ظل دستور سنة 1989، ثم نتطرق في القسم الثاني إلى تطور هذه الحرية في ظل التعديل الدستوري لسنة 1996.