الاعتدال في الغذاء
لقد اكتشف العلم الحديث أن السبيل الوحيد للحياة الصحيحة الخالية من الأمراض هو الاعتدال وعدم الإسراف في الطعام والشراب، وهل ذاك إلا ما ذكره القرآن الكريم كأمر إلهي في كلمات معدودة [ وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين ] (الأعـراف 31 ) إن النظام الغذائي الإسلامي نظام متوازن معتدل، ينظر إلى الحياة على أنها أثمن بكثير من أن نضيعها غرقا في أطنان المأكولات والمشروبات، فهو يقر بأهمية الغذاء ولكن على أن نأكل لنعيش لا أن نعيش لنأكل، وينظر إلى المعدة علـى أنها جهاز رقيق حساس يجب أن نتعامل معه برفق ووعي، وإلا فإنها بيت الداء كما قال صلى الله عليه وسلم إذا حملتها فوق ما تطيق بأصناف الطعام المتداخلة، فلا يجب أن تملأ بإدخال الطعام فـوق الطعام، بل كما قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام أحمد: " ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لابد فاعلا فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه. "
لقد ثبت علميا أن إرهاق المعدة بالتهام كميات كبيرة من الطعام يربكها ويحدث التخمة ويسبب عسر الهضم وعدم اكتمال الامتصاص، ثم يؤدي كل هذا إلى السمنة وأخطارها من مرض السكر وارتفاع ضغط الدم وتصلب الشرايين وتكون الحصى في الكلى والمثانة والتهاب المفاصل، وكثير من الأمراض الأخرى تصيب الإنسان بسبب سوء التغذية، فاختلاف مواعيد الطعام وعدم الحركة بعده يسبب أمراضا. ونجد أن التزام المسلم بأداء الصلوات في أوقاتها تدرأ عنه هذا الخطر، والإكثار من الطعام يسبب أمراضا. وفيما جاء في القرآن الكريم والسنة من هدي الرسول صلى الله عليه وسلم في التحذير من هذا السلوك ضمان لسلامة المسلم من هذه الأخطار، والإقلال من الطعام بكثرة الصيام والحرمان من أنواع الغذاء التي تقوي البدن يسبب ضعفا وهزالا، وفي هذا نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مواصلة الصيام فقال فيما رواه البخاري: " لا صام من صام الأبد " وجعل صلى الله عليه وسلم صيام ثلاثة أيام في الشهر هو الحد المعتدل المطلوب من كل مسلم يتبع هديه صلوات الله وسلامه عليه، أيضا عدم التأني في المضغ وسرعة البلع يسببان أمراضا معوية وضعفا في الأسنان، ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحسن مضغ الطعام ويتأنى كثيرا في بلعه، كما أنه كان لا يأكل إلا بثـلاثة أصابع فقط من يده اليمنى ( الإبهام والسبابة والوسـطى) وهذا يضمن أيضا للإنسان التأني في تناول طعامه. أيضا الوقوف أو الجلوس متكئا عند الطعام يسبب ارتباكا للمعدة ويجعل الدماء تجري بعيدا عنها مما يسبب عسر الهضم، وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن هذا فقال فيما رواه البخاري، " لا آكل متكئا إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد " فكانت جلسته صلى الله عليه وسلم أثناء الطعام كجلسة التشهد في الصلاة، وهو أفضل وضع يريح المعدة ويتيح للظهر أن ينتصب قائما، كما يمنع من ملء المعدة بالطعام. والنوم بعد الطعام مباشرة يؤذي الجسم ويجلب الأمراض، وقد نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله: " أذيبوا طعامكم بالذكر والصلاة ولا تناموا عليه فتقسو قلوبكم" ومن المؤكد أن معظم حالات الذبحة القلبية تأتي بعد أكلـة دسمة أو ثقيلة ثم ينام الإنسان صاحب القلب الواهن بعدها مباشرة، وقد قال أحـد حكماء المسلمين: " من أراد الصحة فليجود وليمضغ الغذاء، وليأكل على نقاء - أي على معدة خاوية - ، وليأكل على ظمأ ويقلل من شرب الماء، ويتمدد بعد الغذاء ويتمشى بعد العشاء، ولا ينام حتى يعرض نفسه على الخلاء، وليحظر دخول الحمام عقيب الامتلاء"
يقول (م.ن) من الإمارات العربية
" لم أستمع لنصائح الطبيب عندما اكتشف قصورا لدي في عمل القلب، مما يسبب لي الآلام الرهيبة التي لا تدعني أنام، لقد كانت كل نصائحه لي أن أعتدل في الطعام والشراب وأن أكثر من الصيام حتى ينزل وزني ويكون الشفاء بإذن الله على حد قوله، قلت له بحسم: أعطني علاجا للقلب يا دكتور ولا تحمل هم طعامي وشرابي".
"أخذ الطبيب يشرح لي بابتسامته العريضة كيف أن المعدة إذا امتلأت بالطعام والشراب ولم يترك لها متسعا للهواء ثقل عليها جدا هضم الطعام، وذكرني بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم :" بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه فإن كان لابد فاعلا فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه" وأكد لي أن أحوالي الصحية ستزداد تدهورا لو استمر نظامي الغذائي بهذا الشكل".
" لم أنفذ حرفا واحدا مما قلته للطبيب، بل إني تناولت في طعام العشاء تلك الليلة جزءا كبيرا من ديك رومي محشو بالمكسرات، وشربت من علب العصائر وزجاجات المياه الغازية عددا لا يعلمه إلا الله، ثم نمت وصحوت فجرا على نيران تتأجج في صدري؛ لقد أصابتني ذبحة قلبية كادت تنهي حياتي، وفي المستشفى كنت مجبرا على تناول ما يعطونه لي من طعام..إفطار : لبن وخبز أسمر وعسل أسود، والغذاء : خضار مسلوق وسلطة خضراء وقطعتا لحم صغيرتان وفاكهة، والعشاء : عسل نحل وخبز أسمر. هذا هو كل طعامي، حتى المياه الغازية ممنوعة، حاولت الهرب من المستشفى ولكني للأسف فشلت "
" فاجأني الطبيب في حجرتي بلوحة مكتوبة بألوان جميلة جدا علقها أمام سريري كتب عليها نص الآية الكريمة : [وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين] وظللت طول الوقت أنظر لجملة "إنه لا يحب المسرفين"، لقد كانت مكتوبة بصـورة ملفتة جدا للعين، وكأن كل حرف فيها يشير إلى أني أنا المقصود بـها، وتألمت كثيرا لفكرة أن الله عز وجل لا يحبني، فأنا لا يمكن أن أكون إلا من أشد المسـرفين، وبعد أيام ترسبت عندي عزيمة قوية للابتعاد عن الإسراف، واتباع منهـج الإسلام في الطعام والشراب، وبدأت في الالتزام بالنظام الغذائي المفروض علي، ولكن هذه المرة بحب واقتناع رغبة في اكتساب حب الله عز وجل قبل طلب الشفاء".
" مر علي شهر كامل في المستشفى التزمت فيه بكل توجيهات طبيبي الفاضل، وكنت أمارس رياضة المشي إلى جانب بعض التمرينات الرياضية وحمامات البخار، وبـدأت أشعر بتحسن كبير في صحتي، وقلت كثيرا بفضل الله متاعبي الصحية ونقص وزني اثنا عشر كيلوجراما في هذه المدة القصيرة، والفضل لله تعالى ثم لتلك الآيـة القرآنية العظيمة، التي أشعر الآن أنها محفورة في قلبي وليست فقط معلقة على الحائط. "
1